مع تزايد أعداد مستخدمي الإنترنت حول العالم، ازدادت بشكلٍ كبيرٍ أهمية التسويق الرقمي كأسلوبٍ لترويج المنتجات والخدمات، وذلك لأنه يتميز عن التسويق التقليدي بانخفاض التكاليف وسهولة الوصول إلى العملاء في أي مكان. يُعَدُّ التسويق بالمحتوى (Content Marketing) واحداً من أهم أشكال التسويق الرقمي، وترتكز فكرته على أن صاحب العلامة التجارية يجب أن يقدم للجمهور محتوىً ذا قيمةٍ للحصول منهم بالمقابل على شيءٍ ذي قيمة.

تعريف التسويق بالمحتوى

يمكن تعريف التسويق بالمحتوى على أنه: شكلٌ من أشكال التسويق يرتكز على خلق محتوىً جيدٍ ونشره وتوزيعه على الجمهور المستهدَف دون التركيز على المبيعات بشكلٍ مباشر، وإنما التركيز على إظهار الاهتمام بالجمهور وحل مشكلاتهم وإثراء معلوماتهم، بدلاً من الطرح المباشر الذي يُعتبر أحد أساليب التسويق التقليدية.

كما يُعرِّفه معهد التسويق بالمحتوى (Content Marketing Institute) بأنه: “منهجٌ للتسويق الاستراتيجي، يركز على خلق ونشر محتوىً عالي القيمة لجذب جمهورٍ محددٍ بوضوحٍ والحفاظ عليه، مما يدفعه في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرارات الشراء من الشركة أو العلامة التجارية”.

أمثلةٌ على التسويق بالمحتوى

هل تعتقد أن أفلاماً سينمائيةً من نمط Lego movie أو Toy story هي مجرد أفلامٍ عالية الجودة صُنِعت لغرض الترفيه فقط؟ هل تعلم حجم تأثير مثل هذه الأفلام على مبيعات ألعاب الأطفال والقصص المصورة؟

ألم تلاحظ أن سلسلة أفلام TAXI الفرنسية تروج لسيارات شركة بيجو؟

هل تعلم أن المسلسل الأميركي Knight Rider الذي اشتهر مطلع ثمانينات القرن الماضي كان يروج لأحد موديلات سيارات بونتياك؟

هل قرأت يوماً مقالاً حول أفضل ألعاب الفيديو أو أفضل الأفلام السينمائية لعام 2021 مثلًا؟ ألم تشعر بعد قراءة مقالٍ كهذا برغبةٍ في اقتناء نسخةٍ من لعبة فيديو معينة أو حضور فيلمٍ سينمائيٍّ معين؟

ألم تصادف يوماً رجلاً يبحث لطفله عن بذلةٍ تشبه تلك التي يرتديها Batman أو Spider-Man؟

ألم ترَ يوماً طفلاً يضع حول معصمه ساعةً شبيهةً بساعة Ben 10؟

هل تعلم أن شركة سجائر مارلبورو قامت يوماً بنشر بعض الأفلام الوثائقية حول رحلات الرواد الأوائل في غزو الغرب الأميركي؟ حاول أن تبحث عبر جوجل أو يوتيوب عن جملة (وثائقيات مارلبورو) أو (Marlboro documentaries).

تاريخ التسويق بالمحتوى

إن تعبير “التسويق بالمحتوى” هو مصطلحٌ قديمٌ في عالم التسويق الرقمي، فقد ظهر في وقتٍ مبكرٍ من عام 1996، حيث أطلقَه الصحفي John F. Oppedahl خلال مؤتمرٍ يخص صناعة الصحافة. وفي عام 2014 نشرت مجلة الأعمال الأميركية Forbes مقالاً حول سبعة أساليب تفضلها الشركات لاستخدام أسلوب التسويق بالمحتوى، وأشار كاتب المقال إلى أن استخدام الشركات للتسويق بالمحتوى ارتفع بشكلٍ لافتٍ من حوالي 60٪ عام 2012 إلى نحو 93٪ عام 2013.

يبقى أن نشير هنا إلى أن ممارسات التسويق بالمحتوى هي أقدم من ذلك بكثير، فقد ظهرت قبل ظهور المصطلح وتبلوُر فكرته، وهي أقدم حتى من التسويق الرقمي، ولفهم ذلك يمكنك التفكير في أسلوب الترويج غير المباشر للمنتجات في الأفلام السينمائية القديمة.

مزايا التسويق بالمحتوى

زيادة ثقة العملاء: يساعد التسويق بالمحتوى في بناء جسور الثقة مع العملاء، وقد ثبت بالتجربة أن العلاقة بين جودة المحتوى التسويقي وثقة العميل هي علاقةٌ طردية. خلاصة القول هنا أن ثقة العملاء بمنتجاتك أو خدماتك ستزداد بزيادة نوعية المحتوى التسويقي المبتكر الذي تقدمه لهم.

الوصول بشكلٍ سلسٍ وغير مباشر إلى لاوعي الجمهور: يتميز التسويق بالمحتوى بأنه أسلوبٌ غير مباشر للوصول إلى لاوعي العميل، ولهذه النقطة أهميةٌ كبيرة، حيث تُشعِر العميل بأنه يمتلك كامل الحرية في تحديد اختياراته واتخاذ قراراته بدل إملاء الخيارات عليه بالأسلوب التقليدي.

زيادة الجمهور بسرعة: يستطيع المحتوى التسويقي الجيد أن يشجع عملاءك الحاليين على مشاركته مع أصدقائهم ونشره ضمن دوائرهم الاجتماعية، مما يحول العملاء الحاليين إلى مسوقين غير مباشرين لك، وهذا ما سيوسع بسرعةٍ القاعدةَ الجماهيرية لمنتجات أو خدمات شركتك.

الحفاظ على العملاء الحاليين: إن قيامك بنشر محتوىً جيدٍ وبصفةٍ مستمرةٍ يساهم في تحسين اتصالك مع عملائك الحاليين والحفاظ على حضورك في أذهانهم، فمن المؤكد أن أهمية التسويق بالمحتوى لا تقتصر على جذب عملاء جدد فقط، بل تتجلى أيضاً في ضرورة الحفاظ على العملاء الحاليين، وضمان استمرار ولائهم للعلامة التجارية.

ضمان علاقةٍ طويلة الأمد مع العملاء: يساهم التسويق بالمحتوى في بناء علاقةٍ جيدةٍ مع العملاء، فعندما يكون المسوق قريباً من عملاء الشركة وقادراً على التجاوب معهم بسرعةٍ وكفاءةٍ من خلال امتلاكه للمحتوى التسويقي القوي، فإن ذلك سيطيل حتماً أمد العلاقة بين الشركة وعملائها، ولا يخفى على أحدٍ ما لهذه النقطة من أهميةٍ في مجال تنشيط المبيعات وبالتالي زيادة العائدات المالية.

خفض تكاليف التسويق: يُعتبَر التسويق بالمحتوى واحداً من أقل الخيارات تكلفةً في مجال التسويق، وتبين بعض الدراسات أن تكلفة التسويق بالمحتوى تنخفض بنسبة حوالي 62٪ عن متوسط تكلفة وسائل التسويق التقليدية.

سهولة توعية الجمهور حول منتجات أو خدمات الشركة: تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 70٪ من العملاء يفضلون التعرف على الشركة أو المنتَج عن طريق المقالات لا الإعلانات، وهنا تبرز أهمية التسويق بالمحتوى، حيث يساعد المحتوى التسويقي الجذاب في تعريف العملاء بالشركة وما تقدمه من منتجاتٍ وخدمات، مما يمنح العميل ثقةً عاليةً لدى اتخاذ قرار الشراء.

زيادة فرص الظهور ضمن نتائج محركات البحث: إن التطورات التقنية الأخيرة التي شهدتها محركات البحث (وعلى رأسها Google) جعلتها أكثر قدرةً على تمييز المحتوى الجيد وعالي القيمة من المحتوى السيء قليل الهميةالتزيد الأهمية. يمكن استخدام أسلوب التسويق بالمحتوى لزيادة فرصة ظهور موقع الشركة على صفحات نتائج محركات البحث، وهو ما سيحقق معدلاتِ زياراتٍ عاليةً تزيد بدورها من مبيعات الشركة.

التسويق بالمحتوى قابلٌ للتدوير: يصف البعضُ التسويقَ بالمحتوى على أنه (أسلوبٌ قابلٌ للتدوير)، حيث يتميز المحتوى التسويقي بأنه غير محدودٍ بالوقت، فبإمكان العملاء أن يستفيدوا من المحتوى المنشور على المدونات والمواقع لفترات زمنيةٍ طويلةٍ جداً قد تتجاوز حتى توقعات المسوقين.

أشكال المحتوى التسويقي

التدوين: يُعدُّ التدوين واحداً من أقوى أشكال التسويق بالمحتوى، ويتميز بتكلفته المالية المنخفضة نسبياً، حيث تقوم الشركات بتوظيف كُتّابٍ للمحتوى النصي لكتابة مقالاتٍ متنوعةٍ ذات صلةٍ بمنتجات الشركة وتقدم فائدةً حقيقيةً للمستخدمين. تفيد المواضيع المطروحة عادةً بالإجابة عن أسئلة المستخدمين وتقديم حلولٍ لمشكلاتهم في إطارٍ يتعلق بالمنتَج أو الخدمة التي تقدمها الشركة. عندما تقرر الشركة دخول مجال التسويق عبر التدوين، فإنها تكون قد دخلت ساحةً واسعةً للتنافس مع الشركات الأخرى التي تعمل في نفس المجال، حيث تتنافس الشركات على تقديم المقالات عالية القيمة لكي تحتل مقدمة نتائج محركات البحث.

الكتب الإلكترونية: يمكن اعتبار الكتب الإلكترونية أكثر أشكال المحتوى التسويقي قيمةً، حيث تحاول الشركات التعرف على الأسئلة التي تشغل أذهان العملاء الفعليين والمُحتَملين، فتقدم إجاباتٍ عن أسئلتهم وحلولاً لمشكلاتهم عن طريق إتاحة كتابٍ إلكترونيٍّ للتحميل مجاناً أو مقابل الاشتراك في القائمة البريدية للشركة. تعزز الكتب الإلكترونية مصداقية الشركة لدى العملاء وتزيد ثقتهم بها، كما تُشكل عند العميل انطباعاً قوياً حول احترافية الشركة في مجال اختصاصها. لقد أثبتت الكتب الإلكترونية قدرةً كبيرةً على جذب العملاء وحثهم على تتبع الروابط المرفقة، ولكن يتوجب على المسوق إجراء بحثٍ معمقٍ لمعرفة كيفية الاستخدام الصحيح لهذا المحتوى التسويقي القوي.

الأبحاث والدراسات: تُعدُّ الأبحاث والدراسات واحدةً من أكثر أنواع المحتوى التسويقي موثوقية لدى معظم فئات العملاء، فقد بات من المعروف أن الجميع يثق بالأرقام والإحصائيات. إن قيام الشركة بالأبحاث في مجال اختصاصها، ومشاركة نتائج الأبحاث مع العملاء، سيظهر مدى احترافية الشركة وموضوعيتها وقوتها من الناحية المهنية، وهو ما سيزيد ثقة العملاء بها وبما تقدمه من منتجاتٍ أوخدمات. تجدر الإشارة هنا إلى أن تكلفة الأبحاث والدراسات قد تكون عاليةً جداً، إلا أن عائداتها ستكون مذهلةً في حال استخدام نتائجها بشكلٍ صحيحٍ مدروسٍ جيداً.

رسوم الإنفوجرافيك: هي تمثيلٌ مرئيٌّ للمعلومات أو البيانات، وتتميز بأنها تساعد في تبسيط موضوعٍ معقد، أو إضفاء لمسةٍ من الحيوية على موضوعٍ رتيب. يتم تصميم الإنفوجراف بشكلٍ يُحوّل المعلومات أو الإحصائيات أو البيانات إلى رسمٍ بيانيٍّ جذابٍ من الناحية البصرية، وقد بات هذا الأسلوب واحداً من أكثر أشكال المحتوى التسويقي جاذبيةً للعملاء، وذلك لأنه يوصل المعلومات إلى العملاء بشكلٍ مبسطٍ ومختصرٍ يَسهُل على العميل فهمه دون الغوص في تفاصيل علميةٍ أو تقنيةٍ أو تجاريةٍ معقدةٍ وعسيرةٍ على الفهم العام.

الفيديو: يُعتبر التسويق باستخدام مقاطع الفيديو أحد أكثر أنواع التسويق بالمحتوى شعبيةً، ويتم تصميم المقاطع عادةً بحيث تتراوح مدتها الزمنية بحدود 2 – 5 دقائق. يتم استخلاص مواضيع مقاطع الفيديو عادةً من المقالات والتدوينات وأسئلة المتابعين، ثم يتم رفع المقاطع على الموقع الإلكتروني للشركة أو على صفحات الشبكات الاجتماعية المختلفة. لقد انتشرت مؤخراً ظاهرة استخدام مقاطع الفيديو في الحملات التسويقية على نطاقٍ واسع، ولاقى الأسلوب رواجاً كبيراً بين شركاتٍ من مختلف الأحجام، ولا تستثنى من ذلك الشركات الصغيرة.

البودكاست: لقد لاقى التسويق باستخدام البودكاست رواجاً كبيراً بعد انتشار المواقع المتخصصة بالسمعيات، وبات من المعروف الأثر العظيم للمؤتمرات الصوتية التي تتم بين أصحاب الاختصاص، وكذلك المناقشات التي تجري بين المسوقين والجمهور بشأن مُنتَجٍ أو خدمةٍ معينة. إن الاستخدام الصحيح لأسلوب البودكاست يساعد في تثقيف الجمهور وتعريفه بمدى خبرة الشركة وقوتها في مجال نشاطها التجاري. يمكنك استخدام البودكاست كوسيلةٍ للتواصل مع زوار موقع الشركة، كما يتيح استضافةَ المختصين والمؤثرين من ذوي الثقة لدى الناس، مما يضفي على المحتوى قدراً كبيراً من الموثوقية.

أشكالٌ أخرى: لا تقف أشكال المحتوى التسويقي عند حدود ما ذكرناه، بل هناك الكثير من الأشكال الأخرى التي تشمل بشكلٍ رئيسيٍ الصور والتطبيقات والألعاب واستطلاعات الرأي والندوات عبر الإنترنت، وغير ذلك الكثير من الأشكال التي تعطي للمسوقين حريةً كبيرةً في إطلاق إبداعاتهم التسويقية المبتَكرة.

قنوات التسويق بالمحتوى

التسويق بالمحتوى على أرض الواقع: لا يقتصر هذا الأسلوب على الكتب والمطبوعات الورقية والإعلانات الطرقية، ولا يتوقف حتى عند حدود إرسال مندوبين يروجون للمنتَج أو الخدمة، بل يشمل جميع الأنشطة والفعاليات التي تثبت وجودك خلال الأحداث المرتبطة بالجمهور المستهدف. إذا كانت شركتك تنتج مثلاً ملابس رياضية، فمن الطبيعي أن تفكر كمسوقٍ أن تُوجِدَ نوعاً من الحضور للشركة في الأحداث الرياضية المحلية، وقد تفكر أيضاً بتنظيم بعض المسابقات على هامش البطولات الرياضية. إن توظيف المحتوى التسويقي على أرض الواقع يحقق نتائج جيدةً للغاية، لكن على المسوق أن يفكر جيداً بطبيعة الجمهور المستهدف وكيفية جذب اهتمامه، مع مراعاة الميزانية والإمكانيات الفنية المتوفرة.

التسويق بالمحتوى عبر محركات البحث: إن امتلاك الشركة لموقعٍ إلكترونيٍّ سيساهم حتماً في تحقيق وجودٍ لها عبر الفضاء الرقمي، لكن الاكتفاء بذلك لا يحقق غالباً أهدافاً تسويقيةً كبيرةً. تُعتبر محركات البحث من أهم قنوات التسويق الإلكتروني، وتُقدِّر بعض الدراسات أن أكثر من 68% من الشركات حول العالم تعتمد على التسويق عبر محركات البحث. على المسوق الناجح أن يستغل المزايا الضخمة لمحركات البحث كقناةٍ تسويقية، وذلك من خلال العمل تحسين أداء الموقع الإلكتروني لدى محركات البحث، وهي العملية التي يُطلَق عليها مصطلح (SEO). يتميز أسلوب التسويق هذا بانخفاض تكاليفه وباستدامته، فالجهود التسويقية لا تضيع فيه أبداً، بل تستمر مدةً طويلةً من الزمن في جلب عملاء جدد.

التسويق بالمحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي: لقد باتت منصات التواصل الاجتماعي تحتل في وقتنا الحالي حيزاً كبيراً جداً من اهتمامنا، وصارت جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية. من المؤكد تقريباً أن جميع عملائك لهم نشاطٌ على واحدةٍ أو أكثر من منصات التواصل، وهذا ما يفتح باباً واسعاً جداً للتواصل مع العملاء الفعليين أو حتى العملاء المحتملين. يمكن نشر المحتوى التسويقي بسهولةٍ كبيرةً على منصات التواصل، ويتمتع هذا الأسلوب بالعديد من المزايا، يأتي على رأسها انخفاض التكلفة المالية والدقة في استهداف الجمهور. على المسوق هنا أن يعرف طبيعة الجمهور المستهدف، وأن يتذكر دائماً أن لكل منصة تواصلٍ طبيعةً خاصةً بها تجعلها مناسبةً لفئةٍ أو فئاتٍ معينةٍ من المستخدمين.

التسويق بالمحتوى عبر العلاقات العامة والاتفاقيات: هل تساءلت يوماً حول السبب الذي يجعل شركة بيبسي تتشارك في كثيرٍ من إعلاناتها مع شركة شيبسي؟ من المؤكد أن تشابه الاسمين ليس السببَ في ذلك، بل لأن الشركتين تستهدفان نفس الفئةٍ تقريباً من المستهلكين. بشكلٍ مشابه، تتعاقد بعض شركات الخدمات الطبية مع النقابات لتوفير الأدوية والأدوات والمعلومات الطبية التي قد يحتاجها أعضاء النقابات، وهذا هو المقصود بالتسويق عن طريق العلاقات العامة. يمكن للمسوق أن يتواصل مع مختلف الشركات والمصانع والورش التي قد تستفيد من منتجات أو خدمات شركته، وبدل أن يحاول البيع لهم، يقوم بتقديم أدواتٍ ومعلوماتٍ ومطبوعاتٍ مما قد يحتاجون له، ويكون بهذا قد أسَّس لعلاقاتٍ قويةٍ مع العملاء تساعده على ترويج المنتجات والخدمات مستقبلاً.

أدوات التسويق بالمحتوى

يتوفر على الشبكة كثيرٌ من أدوات التسويق بالمحتوى، وهي تقدم للمسوق طيفاً واسعاً من الخدمات والإمكانيات المفيدة في هذا السياق، حيث يستطيع من خلالها صناعة المحتوى التسويقي ونشره ومراقبة النتائج.

من بين أهم أدوات التسويق بالمحتوى نذكر ما يلي:

أداة (Google Analytics): هي أداةٌ مجانيةٌ من جوجل تساعد في تتبع وتحليل كل ما يتعلق بالموقع الإلكتروني، ويمكنك بالتالي أن تُقيِّم كفاءة ومدى فعالية مختلف عناصر المحتوى التي يقدمها الموقع.

أداة (Google Trends): أداةٌ مجانيةٌ أخرى من جوجل تساعد على معرفة أكثر المواضيع رواجاً في مكانٍ وزمانٍ معينين، والتي يبحث عنها الناس بأعلى معدلات البحث.

أداة (Feedly): أداةٌ مجانيةٌ تساعد في متابعة وتتَبُّع المواقع المشهورة في مجال عمل شركتك، مما يساعدك في إيجاد أفكارٍ متجددةٍ لصناعة المحتوى الجديد، كما يحوي على العديد من القنوات التي يمكن متابعتها للحصول على آخر ما توصل إليه العلم والمعرفة في مجالات كثيرة منها؛ التسويق الرقمي بكل تفرعاته.

أداة (Sumo): أداةٌ تساعد في التعرف على أشهر المحتوى المكتوب الذي يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي في مختلف المجالات، وتُمكنك بالتالي من معرفة نوع المحتوى الذي يحقق أفضل النتائج من حيث تجاوب العملاء، ما يساعدك على اختيار المحتوى المناسب، وطريقة تحضيره ونشره بالشكل الأنسب.

استراتيجية التسويق بالمحتوى

يتوجب على المسوق بالمحتوى أن يضع لنفسه استراتيجيةً واضحةً تأخذ في الاعتبار مجالَ نشاط الشركة وطبيعةَ الجمهور المستهدف وخصائصَ قنوات التسويق المستخدمة والإمكانيات المالية والفنية المتاحة. تشتمل الاستراتيجية المتكاملة للتسويق بالمحتوى على الخطوات التالية:

البحث عن أفكارٍ للمحتوى التسويقي: تتمثل الخطوة الأولى في عملية التسويق بالمحتوى بإجراء بحثٍ عميقٍ لتحديد نوع المحتوى التسويقي المناسب للجمهور المستهدف، وكذلك تحديد الأولويات وإيجاد الأفكار المناسبة لتضمينها في المحتوى التسويقي. يمكن للمسوق أن يستعين في هذه المرحلة بمحركات البحث للتعرف على ما يقوم به المنافسون، وهذا سيوفر عليه الكثير من الوقت والجهد، وسيساعد المسوقَ على إيجاد موطئ قدمٍ صحيحٍ على طريق التسويق للسلعة أو الخدمة التي يُقدم لها. يمكن للمسوق أيضاً أن يطَّلع على ما يقوم به المنافسون على صفحات منصات التواصل الاجتماعي، وبذلك يتعرف على الاتجاهات التسويقية السائدة والأقرب إلى الذائقة العامة.

صناعة المحتوى: بعد تحديد نوع المحتوى التسويقي المناسب، تأتي مرحلة صناعة المحتوى، ومهما اختلف نوع المحتوى، يبقى الأهم هنا أن تتم صناعة المحتوى بحرفيةٍ عالية، فمن البديهي مثلاً ضرورة أن يتم تسجيل المقاطع الصوتية باستخدام أجهزة تسجيلٍ عالية النوعية وفي بيئةٍ معزولةٍ صوتياً. كذلك الأمر بالنسبة لمقاطع الفيديو، حيث يجب استخدام الكاميرات عالية النوعية وأدوات الإضاءة الاحترافية، ولا يصح بتاتاً استخدام الأدوات الرخيصة من المستوى التجاري. لا تقل أهمية العامل البشري هنا عن أهمية العامل الفني والتقني، فتصميم المحتوى المقروء مثلاً لا يتطلب أي تقنياتٍ استثنائية، بل تكفي لإنجازه الاستعانة بكُتابٍ محترفين قادرين على تقديم المعلومات الصحيحة بطريقةٍ سلسةٍ وجذابة، وبأقل قدرٍ ممكنٍ من الأخطاء النحوية والإملائية. من الواجب أيضاً أن يوفر المحتوى إجرائيةً من نوع (CTA) تُمكِّن المستخدم من الوصول إلى المنتَج أو التواصل مع الشركة، فهذه الإجرائية هي ما سيحول المستخدم إلى عميلٍ متوقعٍ أو حتى إلى عميلٍ فعلي.

نشر المحتوى والترويج له: بعد أن تتم صناعة المحتوى، يأتي دور الترويج له ونشره في كل مكانٍ ممكن. في هذه المرحلة يتوقف دور مصمم المحتوى ويبدأ الدور الحقيقي للمسوق، حيث يمكنه هنا إبراز إبداعه التسويقي ومدى قدرته على استغلال الكثير من القنوات المتاحة، ويشمل ذلك محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والاتصال المباشر والعلاقات العامة، وغير ذلك. تجدر الإشارة هنا إلى أن لكل واحدةٍ من القنوات المذكورة خصائص يجب وضعها في عين الاعتبار.

قياس نتائج التسويق بالمحتوى: قد يظن البعض خطأً أن أهمية هذه المرحلة أقل من أهمية المراحل السابقة، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً،فقياس نتائج التسويق بالمحتوى يجعل المسوق على علمٍ تامٍ بأجود أنواع المحتوى لديه، وأمثلِ استراتيجيات استخدامه، وأفضل القنوات والمنصات المناسبة لنشره. قد يكتشف المسوق مثلاً أن محتواه ينتشر بصورةٍ أفضل عبر فيسبوك بالمقارنة مع انتشاره عبر إنستجرام، وقد يكون العكس صحيحاً. إن التعمق في قراءة النتائج وتحليلها من شأنه أن يحقق وصولاً إلى الاستراتيجية المثلى للتسويق بالمحتوى، وسيحقق بالتالي نتائج أفضل على مستوى المبيعات والعائدات المالية.

خصائص المحتوى التسويقي الجيد

لكي يلبي المحتوى التسويقي الغرضَ التجاري منه، عليه أن يحقق مجموعةً من الشروط أهمها:

أن يكون ذا قيمةٍ جيدةٍ للعملاء: يجب أن يحقق المحتوى قيمةً عالية للعملاء، ويمكن ذلك من خلال العمل على تثقيف العميل وإيجاد الحلول لواحدةٍ أو أكثر من مشاكله، مما يساهم بالمحصلة في تحقيق تغييرٍ نحو الأفضل في أفكار العميل أو أسلوب حياته. إن المحتوى الذي يطَّلع عليه الناس لشغفهم بموضوعه هو أفضل أنواع المحتوى التسويقي.

أن يكون في متناول فهم الجميع: تأكد قبل نشر المحتوى أنه واضحٌ وجيد البناء من الناحية المنطقية وقريبٌ من فهم جمهورك المستهدف وأسلوبه في التفكير، ونؤكد هنا على ضرورة استخدام المصطلحات التي تتناسب مع مجال عمل العملاء ومستواهم العلمي أو المجتمعي.

أن يكون المحتوى عالي الجودة من الناحية الفنية: إن تقديم محتوىً جذابٍ وعالي الجودة سيُظهر للجمهور المستهدف مدى اهتمامك وخبرتك وكفاءتك في مجال عملك، وهذا سيزيد ثقة العملاء بك وستكون له نتائج إيجابيةٌ واضحةٌ على مبيعات شركتك. من أهم الأمور التي تُبرز جودة المحتوى هي قدرته على لفت انتباه الجمهور ودفعهم من حيث لا يشعرون إلى التوقف طويلاً عنده، خاصةً أن مستخدم الإنترنت حالياً محاطٌ من كل جانبٍ بالمعلومات والصور وغيرها من أشكال المحتوى التسويقي المنافس.

أن يكون المحتوى ذا صلةٍ قويةٍ بالمنتَج أو الخدمة: إن قوة ارتباط المحتوى بخدماتك أو منتجاتك، سيساهم بشكلٍ كبيرٍ في إيصال الرسالة التسويقية إلى الجمهور بيُسرٍ وسلاسة، فإذا كنت مثلاً تبيع منتجاتٍ تخص مستحضرات التجميل، فسيكون من المناسب أن يتضمن محتواك نصائح ومعلوماتٍ حول الرشاقة والجمال وما إلى ذلك مما يهم جمهورك المستهدف. تذكر دائماً أن الغرض من المحتوى في النهاية هو إفادة الجمهور وحثه على اتخاذ قرار الشراء، مما يحوله من مجرد مستهلكٍ للمحتوى إلى عميلٍ فعليٍّ للشركة.

أن يكون المحتوى غير مباشرٍ قدر الإمكان: ينبغي ألا يروج المحتوى لخدماتك أو منتجاتك بشكلٍ علنيٍّ فج، وتذكر دائماً أن المحتوى مصممٌ بشكلٍ رئيسيٍّ لتحقيق فائدةٍ للعميل، وليس ليبيعه شيئاً بشكلٍ مباشر. إن تقديم محتوىً قَيمٍ ومفيدٍ دون أخذ مقابلٍ واضحٍ أو مباشر، هو من أفضل العوامل التي تساعد في تحسين سمعة علامتك التجارية، وهذا ما يزيد بدوره من الثقة التي يمنحها العملاء للمنتجات أو الخدمات التي تقدمها شركتك.

اجعل محتواك التسويقي فريداً ويحمل لمستك الإبداعية: يتعرض الكثير من المسوقين إلى تجارب متشابهةٍ ويحاولون الإجابة عن أسئلةٍ متماثلة، إلا أن أكثر المسوقين نجاحاً هم من يحاولون ابتكار طرقٍ جديدةٍ وحلولٍ إبداعيةٍ يتميزون بها عن الآخرين. عليك أن تجعل محتواك فريداً ومميزاً، فهذا سيعطي الجمهور انطباعاً قوياً حول مدى فرادة وتميز شركتك أو منتجاتك أو خدماتك.

أن يتم نشر المحتوى في الوقت المناسب: يلجأ الكثير من المسوقين إلى استخدام ما يسمى (المحتوى دائم الخُضرة) أو (Evergreen Content)، وهو المحتوى الذي يصلح للاستخدام في أي وقتٍ أو موسمٍ من السنة، ولكن بعض المحتوى قد يصلح لوقتٍ أو موسمٍ بعينه. إذا كنت تروج مثلاً لنوعٍ من المثلجات، فبإمكانك أن تكتب مقالاً حول تاريخ صنع الآيس كريم، ولكن سيكون من غير الملائم أن تنشر المقال في فصل الشتاء.

أن يكون المحتوى قابلاً للمشاركة: ضع نصب عينيك ضرورة جعل محتواك قابلاً للمشاركة من قِبَل الجمهور، فكلما كان المحتوى سهل التداول بين الجمهور كلما زادت فرصة تفاعلهم معه وتحولهم إلى عملاء فعليين للشركة أو العلامة التجارية. تأكد من تضمين المحتوى خيارَ (المشاركة)، سواء تم نشره على مدونتك أو ضمن حساباتك على منصات التواصل المختلفة.

أن يكون المحتوى أصلياً غير منسوخ: إذا تحقق هذا الشرط في المحتوى الذي تقدمه لعملائك، فسيكون لذلك أثرٌ عظيمٌ في مدى تقدير العملاء للمحتوى، كما سيشجعهم على مشاركته مع أصدقائهم ممن يُعرف عنهم اهتمامهم بموضوع المحتوى.

أن يحقق المحتوى تفاعلاً مع الجمهور: تأكد من مراعاة النقاط السابقة لجعل المحتوى جذاباً، وذلك لكي تضمن تفاعل الجمهور معه، كما يُستَحسن أن يترافق المحتوى مع سؤالٍ أو استطلاعٍ للرأي، فالتفاعل يوطد العلاقة بينك وبين جمهورك.

أخطاءٌ قد يقع فيها المسوق بالمحتوى

يتم استخدام أسلوب التسويق بالمحتوى لتثقيف الناس حول أمورٍ ذات صلةٍ بما تقدمه الشركة من منتجاتٍ أو خدمات، وهذا ما يدفع الجمهور شيئاً فشيئاً إلى التعلق بالعلامة التجارية ومنحها الثقة، لكن القيام بذلك ليس بالأمر السهل، وهذا ما يجعل الكثير من المسوقين يقعون في بعض الأخطاء التي تسيء إلى استراتيجيتهم التسويقية وتعطي نتائج عكسية. إليكم بعض الأخطاء الشائعة في صنع المحتوى التسويقي:

المحتوى المباشر: هو ذلك المحتوى الذي يوجه رسالته التسويقية بشكلٍ مباشرٍ يشبه الإعلانات التلفزيونية أو المطبوعة، وهو يلغي الخصائص الفريدة التي تميز التسويق بالمحتوى، والتي تتمثل بشكلٍ رئيسيٍّ في إثارة اللاوعي لدى الجمهور المستهدف.

المحتوى ذو النكهة السياسية: يُعتبر من أسوأ أنواع المحتوى التسويقي، فالإشارة بأي شكلٍ إلى حدثٍ أو شخصيةٍ أو جماعةٍ سياسية، قد يكون لها أثرٌ مدمرٌ على المحتوى، وقد تؤثر حتى على سمعة الشركة ومكانتها التجارية.

المحتوى الموجه بشكلٍ خاطئ: من الواضح تماماً أن الفشل سيكون حليف المحتوى الذي لا يراعي خصوصية المجتمع أو الفئات العمرية المستهدفة.

كلمةٌ أخيرة

أرجو أن تكون المقالة قد حققت لكم شيئاً من الفائدة في التعرف على أساسيات التسويق بالمحتوى، كما أتمنى أن تباشروا ببناء محتواكم الرقمي الخاص الذي يحقق قيمةً عظيمةً لعملائكم وفائدة تجاريةً كبيرةً لكم، وسط بحرٍ متلاطمٍ من المحتوى الرقمي المتاح على الشبكة العنكبوتية. تذكروا دائماً أن التسويق بالمحتوى ليس علماً بحتاً، بل هو مجالٌ رحبٌ للإبداع واستثمار الأفكار والإمكانيات الفنية.


الصورة الرئيسية من: Designboom.com